الصديقات والأصدقاء
أقف من على هذا المنبر في الإدارة المركزية للجامعة اللبنانية، لأسجل تقديري مجدداً لما تقدمه من آفاق تعليمية وبحثية لطلابنا وما خرجته من أجيال تميزوا في اختصاصاتهم في سوق العمل. ويسعدني أن أشارك في مؤتمر ينظمه مركز الدراسات والأبحاث التربوية في كلية التربية في الجامعة حول موضوع يطرح تحديات كبرى في التعليم في زمن الذكاء الاصطناعي. وأنا هنا بين نخبة من المتخصصين والباحثين وهذا الجمع الأكاديمي نطرح آفاق التربية وما تواجهه اليوم وغداً مع هذه الثورة التكنولوجية، والتي تفرض علينا إعادة التفكير بعد التحوّل الرقمي والعمل على تحقيق الريادة في التعليم عبر تعزيز البحوث القائمة على الجودة.
لا شك في أن التربية في زمن الذكاء الاصطناعي تواجه تحديات كبرى، كما في التحول الرقمي، وهو ما يدفعنا إلى وضع مقاربات نفتتح معها مساراً جديداً في طرق التعليم وحتى في ما يتعلق بالمناهج التعليمية التي نخوض عملية اعداد موادها للتعليم ما قبل الجامعي، بعدما أنجزنا الأوراق المساندة للاطار الوطني. وهذا الأمر ينسحب على التعليم العالي االذي يستدعي من القيمين عليه في جامعاتنا التكيّف مع هذا الجديد الوافد واستخدامه بما يتناسب مع المعايير الأكاديمية والأخلاقية.
الحضور الكريم
يطرح الذكاء الاصطناعي تحديات عديدة، ليس في التربية وحسب، بل في كل المجالات والقطاعات، وهو ما يحتم علينا ابتكار طرق ممنهجة للتعامل مع ما يتيحه من إمكانات في مسار مفتوح على التطور. ففي التربية ننطلق من ركائز لا تزال موجودة لدينا ورصيد يمكن البناء عليه انطلاقاً من الخطة الخمسية للتربية، وقد قطعنا شوطاً مهماً فيها خصوصاً في ما يتعلق بالمناهج، وبما شرعنا من خطط إصلاحية، ثم في التحول الرقمي الذي يحتاج إلى بنى تحتية وإمكانات نسعى إلى توفيرها مع تدريب المعلمين ليكونوا على جهوزية تامة في وقت الأزمات. وقد استفدنا من الثغرات التي واجهت التعليم عن بعد أثناء جائحة كورونا، وحتى في المسار الذي حددناه لتعليم التلامذة النازحين جراء العدوان الإسرائيلي الذي استهدف المدارس في الجنوب اللبناني في سياق التحضير للامتحانات الرسمية التي نشدد على إجرائها في موعدها المقرر في 29 حزيران الجاري موحدة لكل تلامذة لبنان.
الصديقات والاصدقاء
نفتتح اليوم مساراً جديداً ونسير نحو مرحلة طموحة في التطوير. فالعملية التعليمية لا يمكن أن تنتقل إلى مصاف الحداثة من دون تحرير الإبداع ودعم الابتكار من خلال الغوص في عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. إن هذا المؤتمر الذي يتحدث فيه اختصاصيون وباحثون وأكاديميون يعزز قناعتي بأن الجامعة اللبنانية قادرة على مواكبة التحولات في التكنولوجيا، وأدرك أن رئاستها وأهلها وكادرها التعليمي أعطوا باللحم الحي، ورفعوا من شأنها حتى في الأزمات، وهي الآن تسجل نجاحات توجت في التصنيف الأخير لموسسة QS وحلت في مرتبة متقدمة عربياً وعالمياً واالثانية بين الجامعات اللبنانية، والمهم أن النجاحات التي يجب أن تستمر تتحدث عنها اختصاصاتها ومختبراتها، وتعزز من خلالها سمعتها الأكاديمية، وهو ما يطرح المزيد من التحديات عبر توفير كل ما من شأنه أن تبقى الجامعة في الريادة وتمنح طلابها اختصاصات تؤكد كفاءاتها وجودتها الأكاديمية وقدرتها على طرق أبواب الحداثة والتكنولوجيا في العالم.
إنني من موقعي أجدد ثقتي بالجامعة، وما هذا المؤتمر إلا تأكيد على المسار الذي تسلكه الكليات في الأبحاث والتي تشكل الاساس في معايير التكيّف الذكاء الاصطناعي. ونحن من جهتنا نؤكد سياساتنا في حماية الجامعة والتعليم عامة ونهج الاصلاح الذي نسير عليه لرفع المستوى وتأمين العدالة التربوية وحق التعليم للجميع. إن الجامعة وبالرغم من الأوضاع الصعبة تواكب وتنافس جامعات مرموقة في المنطقة وتعيد تنظيم أمورها وهيكلة أوضاعها. وهذا المؤتمر لكلية التربية لا بد من أن يفتح آفاقاً ويضع خريطة طريق للمسار الذي ينبغي سلوكه في التعامل مع الذكاء الاصطناعي وتكييفه مع الرصيد والقدرات التعليمية والأكاديمية التي تتمتع بها الجامعة.
لن أكرر ما نسعى إليه لترتيب أوضاع الجامعة وإقرار ملفاتها، ومن بينها ملف التفرغ، لكني في هذه المناسبة اشدد على ضرورة أن يكون التعليم ديناميكياً ويتكيف باستمرار مع التكنولوجيا الجديدة والتحول العالمي نحو الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه أن يحدث ثورة في طرق التدريس والتعلم، وعلينا أن نستثمره لجعل التعليم أكثر كفاءة وفعالية. وعلينا أيضاً أن نتحضر لكيفية دمج الذكاء الاصطناعي مع الدراسة، وهو ما يحتاج إلى وضع أسس ومعايير تتناسب مع مناهجنا وأوضاعنا.
في الختام أحيي القيمين على هذا المؤتمر، والمنظمين، من مركز الدراسات والأبحاث التربوية، وكلية التربية، ورئاسة الجامعة. وكل التقدير للمشاركين من الباحثين وهذا الجمع الأكاديمي، وآمل أن يخرج المؤتمر بحصيلة تحدد وجهة التعامل مع الذكاء الاصطناعي في التربية لنواجه التحديات كلها معاً.
وشكراً لكم...